فصل: تفسير الآية رقم (269):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (266):

{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} الهمزة فيه للإِنكار. {أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} جعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغلباً لهما لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر أنواع الأشجار، ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع. {وَأَصَابَهُ الكبر} أي كبر السن، فإن الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب، والواو للحال أو للعطف حملاً على المعنى، فكأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر. {وَلَهُ ذُرّيَّةٌ ضُعَفَاء} صغار لا قدرة لهم على الكسب. {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فاحترقت} عطف على أصابه، أو تكون باعتبار المعنى. والإِعصار ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود، والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء في الحسرة والأسف، فإذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة بحال من هذا شأنه، وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت، وترقى بفكره إلى جناب الجبروت، ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور والتفت إلى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثوراً. {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} أي تتفكرون فيها فتعتبرون بها.

.تفسير الآية رقم (267):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طيبات مَا كَسَبْتُمْ} من حلاله أو جياده. {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرض} أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمرات والمعادن، فحذف المضاف لتقدم ذكره. {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ} أي ولا تقصدوا الرديء منه أي من المال، أو مما أخرجنا لكم. وتخصيصه بذلك لأن التفاوت فيه أكثر، وقرئ ولا تؤمموا ولا تيمموا بضم التاء. {تُنفِقُونَ} حال مقدرة من فاعل تيمموا، ويجوز أن يتعلق به منه ويكون الضمير للخبيث والجملة حالاً منه. {وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ} أي وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لردائته. {إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} إلا أن تتسامحوا فيه، مجاز من أغمض بصره إذا غضه. وقرئ: {تُغْمِضُواْ} أي تحملوا على الإِغماض، أو توجدوا مغمضين. وعن ابن عباس رضي الله عنه: كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه. {واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ} عن إنفاقكم، وإنما يأمركم به لانتفاعكم. {حَمِيدٌ} بقبوله وإثابته.

.تفسير الآية رقم (268):

{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
{الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} في الإِنفاق، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر. وقرئ: {الفقر} بالضم والسكون وبضمتين وفتحتين. {وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء} ويغريكم على البخل، والعرب تسمي البخيل فاحشاً. وقيل المعاصي {والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ} أي يعدكم في الإِنفاق مغفرة لذنوبكم. {وَفَضْلاً} خلفاً أفضل مما أنفقتم في الدنيا، أو في الآخرة. {والله واسع} أي واسع الفضل لمن أنفق. {عَلِيمٌ} بإنفاقه.

.تفسير الآية رقم (269):

{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} تحقيق العلم وإتقان العلم. {مَن يَشَآء} مفعول أول أخر للإِهتمام بالمفعول الثاني {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} بناؤه للمفعول لأنه المقصود. وقرأ يعقوب بالكسر أي ومن يؤته الله الحِكمة. {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} أي: أيُّ خير كثير؟ إذ حيز له خير الدارين. {وَمَا يَذَّكَّرُ} وما يتعظ بما قص من الآيات، أو ما يتفكر، فإن المتفكر كالمتذكر لما أودع الله في قلبه من العلوم بالقوة. {إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.

.تفسير الآية رقم (270):

{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
{وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ} قليلة أو كثيرة، سراً أو علانية، في حق أو باطل. {أَوْ نَذَرْتُم مّن نَّذْرٍ} بشرط أو بغير شرط، في طاعة أو معصية. {فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} فيجازيكم عليه. {وَمَا للظالمين} الذين ينفقون في المعاصي وينذرون فيها، أو يمنعون الصدقات ولا يوفون بالنذر. {مِنْ أَنصَارٍ} من ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه.

.تفسير الآيات (271- 272):

{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
{إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ} فنعم شيئاً إبداؤها. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل. وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وقالون بكسر النون وسكون العين، وروي عنهم بكسر النون وإخفاء حركة العين وهو أقيس. {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء} أي تعطوها مع الإِخفاء. {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فالإِخفاء خير لكم، وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداء الغرض لغيره أفضل لنفي التهمة عنه. عن ابن عباس رضي الله عنهما: صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً. {وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ} قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء أي والله يكفر أو الإِخفاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش ويعقوب بالنون مرفوعاً على أنه جملة فعلية مبتدأة أو إسمية معطوفة على ما بعد الفاء أي: ونحن نكفر. وقرأ نافع وحمزة والكسائي به مجزوماً على محل الفاء وما بعده. وقرئ بالتاء مرفوعاً ومجزوماً والفعل للصدقات. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ترغيب في الإِسرار. {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديين، وإنما عليك الإِرشاد والحث على المحاسن، والنهي عن المقابح كالمن والأذى وإنفاق الخبيث. {ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاء} صريح بأن الهداية من الله تعالى وبمشيئته، وإنها تخص بقوم دون قوم. {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} من نفقة معروفة. {فَلأَنفُسِكُمْ} فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث. {وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله} حال، وكأنه قال وما تنفقون من خير فلأنفسكم غير منفقين إلا لابتغاء وجه الله وطلب ثوابه. أو عطف على ما قبله أي وليست نفقتكم إلا لابتغاء وجهه فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث. وقيل: نفي في معنى النهي. {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} ثوابه أضعافاً مضاعفة، فهو تأكيد للشرطية السابقة، أو ما يخلف للمنفق استجابة لقوله عليه الصلاة والسلام: «اللهم اجعل لمنفق خلفاً، ولممسك تلفاً» روي: أن ناساً من المسلمين كانت لهم أصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفقون عليهم، فكرهوا لما أسلموا أن ينفعوهم فنزلت. وهذا في غير الواجب أما الواجب فلا يجوز صرفه إلى الكفار. {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} أي لا تنقصون ثواب نفقاتكم.

.تفسير الآية رقم (273):

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
{لِلْفُقَرَاء} متعلق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء، أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء، أو صدقاتكم للفقراء. {الذين أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله} أحصرهم الجهاد. {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} لاشتغالهم به. {ضَرْبًا في الأرض} ذهاباً فيها للكسب. وقيل هم أهل الصفة كانوا نحواً من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم. {يَحْسَبُهُمُ الجاهل} بحالهم، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين. {أَغْنِيَاء مِنَ التعفف} من أجل تعففهم عن السؤال، {تَعْرِفُهُم بسيماهم} من الضعف ورثاثة الحال، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد. {يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} إلحاحاً، وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه، من قولهم لحفي من فضل لحافه، أي أعطاني من فضل ما عنده، والمعنى أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا. وقيل: هو نفي للأمرين كقوله:
على لا حب يهتدي بمناره

فنصبه على المصدر فإنه كنوع من السؤال، أو على الحال. {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} ترغيب في الإِنفاق وخصوصاً على هؤلاء.

.تفسير الآية رقم (274):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
{الذين يُنفِقُونَ أموالهم بالليل والنهار سِرّا وَعَلاَنِيَةً} أي يعمون الأوقات والأحوال بالخير. نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، تصدق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار، وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية. وقيل في أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلاً ودرهم نهاراً، ودرهم سراً ودرهم علانية. وقيل: في ربط الخيل في سبيل الله والإِنفاق عليها. {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} خبر الذين ينفقون، والفاء للسببية. وقيل للعطف والخبر محذوف أي ومنهم الذين ولذلك جوز الوقف على وعلانية.

.تفسير الآية رقم (275):

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
{الذين يَأْكُلُونَ الربا} أي الآخذون له، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات وهو زيادة في الأجل، بأن يباع مطعوم بمطعوم، أو نقد بنقد إلى أجل، أو في العوض بأن يباع أحدهما بأكثر منه من جنسه، وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع. {لاَ يَقُومُونَ} إذا بعثوا من قبورهم. {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان} إلا قياماً كقيام المصروع، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء. {مِنَ المس} أي الجنون، وهذا أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله ولذلك قيل: جَنَّ الرجلُ. وهو متعلق ب {لاَ يَقُومُونَ} أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا، أو بيقوم أو بيتخبط فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لا لاختلال عقولهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا} أي ذلك العقاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فاستحلوه استحلاله. وكان الأصل إنما الربا مثل البيع ولكن عكس للمبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلاً وقاسوا به البيع، والفرق بينَّ فإن من أعطى درهمين بدرهم ضيع درهماً، ومن اشترى سلعة تساوي درهماً بدرهمين فلعل مساس الحاجَةُ إليها، أو توقع رواجها يجبر هذا الغبن. {وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا} إنكار لتسويتهم، وإبطال القياس بمعارضة النص. {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ} فمن بلغه وعظ من الله تعالى وزجر كالنهي عن الربا. {فانتهى} فاتعظ وتبع النهي. {فَلَهُ مَا سَلَفَ} تقدم أخذه التحريم ولا يسترد منه، وما في موضع الرفع بالظرف إن جعلت من موصولة، وبالابتداء إن جعلت شرطية على رأي سيبويه إذ الظرف غير معتمد على ما قبله. {وَأَمْرُهُ إِلَى الله} يجازيه على انتهائه إن كان من قبول الموعظة وصدق النية. وقيل يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه. {وَمَنْ عَادَ} إلى تحليل الربا، إذ الكلام فيه. {فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لأنهم كفروا به.

.تفسير الآية رقم (276):

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
{يَمْحَقُ الله الربا} يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه. {وَيُرْبِي الصدقات} يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه، وعنه عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربي أحدكم مهره» وعنه عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت زكاة من مال قط» {والله لاَ يُحِبُّ} لا يرضى ولا يحب محبته للتوابين. {كُلَّ كَفَّارٍ} مصر على تحليل المحرمات. {أَثِيمٍ} منهمك في ارتكابه.

.تفسير الآية رقم (277):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ} بالله ورسوله وبما جاءهم منه. {وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكواة} عطفهما على ما يعمهما لإِنافتهما على سائر الأعمال الصالحة. {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من آت. {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على فائت.